هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
^_^
ولكم للاعضاء الجدد يا هلا وغلا تو مانور المنتدى بوجودكم يا هلا وغلا
سيقام توزيع المشرفين والمشرفات في الاسبوع القادم في اخر يوم من الاختبارات فبادر با التسجيل وشكر
موضوع: مـفـهـوم النـفـس ( الخميس يونيو 17, 2010 12:14 am
لمحات عن مفهوم النفس في التراث العربي
أنور محمود زناتي
مَن لم يخترْ مستقبلَه لم يَجِدْ ماضيه.
قدَّمَ علماءُ العرب والمسلمين إسهاماتٍ جليلةً في مجال علم النفس تبهر كلَّ مَن يطَّلع عليها. فقد تشكَّل علم النفس في التراث الإسلامي كما تشكلَّتْ معارفُ المسلمين المختلفة. غير أن علم النفس في التراث الإسلامي لم يكن "صنعة" تجتمع عليها فئةٌ من الدارسين كما كان النحوُ صنعةً تجمع النحويين والشعرُ صنعةً تجمع الشعراء. فقد استعمل علماء التراث المناهج بأسلوب علمي، كالملاحظة ودراسة الحالة والاستبطان، وكان للمسلمين فضل السبق والإضافة في كثير من مجالات علم النفس.
وقد عالج علماء التراث الظاهرات النفسية، كلٌّ من زاوية اهتمامه العلمي؛ إلا أن هذا العلم توزع بين المؤلَّفات التراثية المعنية بأسُس السلوك البيولوجية والكتب الفلسفية والفيزيائية والرياضية. وتُعَد كتبُ التراجم وطبقات الأعلام التراثية مصادر أساسية؛ فبعض هذه الكتب غني بمادته الپسيكولوجية، مثل طبقات الأطباء (ابن أبي أصيبعة وابن جلجل)، وبعضها الآخر يتسع ليشمل تراجم جميع أعلام الفكر. وتوفِّر هذه المؤلفات قاعدة متينة تمكِّننا من متابعة تطورات المفاهيم عند العلماء العرب. كذلك الأمر في خصوص كتب الأدب والمصنفات الأدبية، مثل: الأغاني، الإمتاع والمؤانسة، العقد الفريد، وغيرها؛ إذ تحتوي هذه المصنفات على تفاصيل هامة كانت قد أُهملت أو اختُزِلَتْ. وكذلك المؤلفات الفلسفية التي تضم آراء الفلاسفة في النفس، إضافة إلى بعض النظريات الهامة التي تشكل أساسًا نظريًّا لشرح التصور الإسلامي للإنسان وحياته النفسية.
ابن سينا (370-428 هـ/980-1036 م)
رسم تخيلي لابن سينا
ولعل خير مثال على ذلك جهود ابن سينا في هذا المجال. فقد سبق علماء الفسيولوجيا والپسيكولوجيا المعاصرين في قياس الانفعال على أساس قياس التغيرات الفسيولوجية المصاحبة له. ففي علاجه أحد المرضى، شكَّ ابن سينا في وقوع ذلك المريض في الحب الذي تحول إلى حالة عشق، فحاول معرفة اسم الفتاة التي يعشقها المريض، مبتكرًا لذلك طريقة طريفة، مفادها أن يذكر للمريض عدة أسماء لبلاد وأحياء وفتيات، وكان يقيس في أثناء ذلك سرعة نبضه لمعرفة مقدار الانفعال الذي تثيره عنده هذه الأسماء؛ وقد استطاع بهذه الطريقة أن يعرف اسم الفتاة التي كان يعشقها المريض والمكان الذي تقيم فيه. وتُعتبَر هذه الطريقة إرهاصًا مبكرًا لاختراع الجهاز الحديث المعروف باسم جهاز استجابة الجلد الغلڤانية (الذي يسمى أيضًا جهاز كشف الكذب).
وقد أشار ابن سينا، كما أشار الفارابي من قبل، إلى الأسباب الأهم لحدوث الأحلام التي توصل إليها العلماء المحدثون فيما بعد. ومما ذكره كلٌّ من الفارابي وابن سينا أن بعض الأحلام يحدث نتيجة تأثير بعض المؤثرات الحسية التي تقع على النائم، سواء كانت هذه المؤثرات الحسية صادرة من الخارج أو من داخل البدن. قال ابن سينا في هذا الصدد:
[...] ومن عرض لعضو منه بردٌ أو سخنٌ بسبب حرٍّ أو برد حكى له هذا العضو منه موضوع في نار أو في ماء بارد.
وقد دلت البحوث التجريبية المعاصرة على صحة ذلك. كما قال كلٌّ من ابن سينا والفارابي بالرمزية في الأحلام.
وقد ابتدع ابن سينا جديدًا في علاج مريض الملانخوليا الذي امتنع عن الطعام والشراب حتى نَحُل، مع هذاء يتصل بكونه بقرة! وبعد أن حار الأطباء في علاجه، ذهب إليه ابن سينا (وكان آنذاك وزيرًا) في إهاب قصاب ومعه مساعداه، وكان قد أوصى أهله بأن يخبروه بأن القصاب قادم لذبحه:
[...] ركب الأستاذ [ابن سينا] وجاء في موكبه المعتاد إلى قصر المريض، ثم دخل مع رجلين والسكين في يده وقال: "أين هذه البقرة لأذبحها؟" فقلَّد الشاب المريض خوار البقرة، مما يعني أنه هنا. فقال الأستاذ: "جروها إلى فناء القصر وأوثقوا يديها ورجليها وأضجعوها." فلما سمع المريض هذا جرى إلى وسط القصر واضطجع على جنبه الأيمن. [...] ثم جاء أبو علي [ابن سينا] وسنَّ السكين على السكين، ثم جلس ووضع يده على خصر المريض كعادة القصابين، وقال: "وه، يا لها من بقرة هزيلة! إلا أنه لا يحل ذبحها، اعلفوها حتى تسمن."
وتتتابع القصة التي حكاها النظامي العروضي السمرقندي في الحكاية السابعة من المقالة الرابعة من كتابه جهار مقالة[2].
ابن مسكويه (ت 421 هـ/1030 م)
اشتهر مسكويه بكتابه تهذيب الأخلاق الذي اهتم فيه بالنفس وما يتعلق بها من عوامل. فهو يرى أن
[...] النفس، وإن كانت تأخذ كثيرًا من مبادئ العلوم عن الحواس، فلها من نفسها مبادئ أخرى وأفعال لا تأخذها عن الحواس، وهي المبادئ الشريفة العالية التي تُبنى عليها القياساتُ الصحيحة.
ومن رأيه أن النفس العاقلة فينا هي بمثابة المجهر الذي يستدرك شيئًا كثيرًا من خطأ الحواس في مبادئ أفعالها. وهو يضيف في تعريفه للنفس قوله:
فالنفس ليست بجسم ولا بجزء من جسم ولا بحال من أحوال الجسم، وإنها شيء آخر مفارق للجسم بجوهره وأحكامه وخواصه وأفعاله. (ابن مسكويه، 1985، 4)
ويقسم ابن مسكويه النفس إلى ثلاث قوى كما يلي:
1. القوة الناطقة، التي يكون بها الفكر والتمييز والنظر في حقائق الأمور، و
2. القوة الغضبية، التي يكون بها الغضب والنجدة والإقدام على الأهوال والشوق إلى التسلط والترفع وضروب الكرامات، و
3. القوة الشهوية، التي يكون بها الشهوة وطلب الغذاء والشوق إلى الملاذ في المآكل والمشارب والمناكح وضروب اللذات الحسية.
ولكلِّ قوة من هذه القوى فضيلة خاصة بها: فالقوة الناطقة فضيلتها الحكمة، والقوة الغضبية فضيلتها الشجاعة، والقوة الشهوية فضيلتها العفة.
أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ/1111 م)
كما أن المستويات الثلاثة للنفس التي يشير إليها فرويد – الهو والأنا الأعلى والأنا – نجد ملمحًا لها فيما يورده أبو حامد الغزالي في الجزء الثالث من كتابه إحياء علوم الدين (الذي تُرجِمَ إلى الألمانية في العام 1913) عن "النفس الأمارة بالسوء" (الهو) و"النفس اللوامة" (الأنا الأعلى) و"النفس المطمئنة" (الأنا).
الكندي
اهتم الكندي بالتربية والتأديب. وفي هذا الصدد، يذكر الأهواني أن طريقة التأديب، إذا وقع من الصبي مخالفات، هي التغافل أولاً، ثم التوبيخ، ثم الضرب، "لأنك إنْ عوَّدتَه التوبيخ والمكاشفة حملتَه على الوقاحة"، ويُمدَح بكلِّ ما يظهر منه من خلق جميل.
وما أكثر ما يمكن لنا أن نستشهد به من آراء لمستشرقين ومشتغلين بتاريخ العلم في الغرب عن فضل الحضارة العربية وإسهامات علمائها في شتى مناحي العلوم، ومنها علم النفس. هذا ما قاله البارون كارا دُه ڤو (وهو أحد أعلام الاستشراق الفرنسي وممن اهتموا بابن سينا) في مطالع القرن الماضي، إذ يرى أن
[...] الميراث الذي تركه الإغريق لم يُحسن الرومان القيام به. أما العرب فقد أتقنوه وعملوا على تحسينه وإنمائه، حتى سلَّموه للعصور الحديثة.[3]
ويقول جورج سارتون، أحد أكابر مَن اهتموا بتاريخ العلم:
إن بعض المؤرخين يحاولون أن يتسخفوا بفضل الشرق على العمران ويصرحون بأن العرب والمسلمين نقلوا العلوم القديمة ولم يضيفوا إليها شيئًا. إن هذا الرأي خاطئ، [...] ولولاهم لتأخَّر سيرُ المدنية بضعة قرون